في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات في الشرق الأوسط وتزداد الوعود الأمريكية رعايةً لإسرائيل دون حلول عادلة، تظل مصر الدولة الوحيدة التي تقيس مواقفها بثبات المبادئ لا بانفعال اللحظة.
فعلى امتداد العقود، أثبتت القاهرة أن القوة الحقيقية ليست في الحرب، بل في القدرة على إدارة السلام، وأن الدبلوماسية المصرية باتت “صوت العقل” في منطقة تشتعل بالنزاعات.
مصر بين الثوابت الوطنية والضغوط الإقليمية
ولقد كانت جهود مصر الدبلوماسية لوقف إطلاق النار والإبادات الجماعية بقطاع غزة وأيضا فى مجابهة مخططات التهجير للشعب الفلسطينى إلى خارج قطاع غزة.
وواجهت الدولة المصرية ضغوطا واغراءات كثيرة للموافقة على سيناريو التهجير إلى داخل الأراضى المصرية وكان الرد والموقف المصرى واضحا وحاسما بأن التهجير إلى سيناء خط أحمر ويهدد بقوة الامن المصرى القومى.
ومازالت جهود الدولة المصرية الدبلوماسية التي لها ثقل سياسي واقتصادي الجيوسياسي على مستوى العالم فى مواجهه ما يمس الأمن القومى المصرى وفى التمادى العدوان الاسرائيلي.
ومازال شهر أكتوبر بالنسبة للدولة المصرية مهد للانتصارات العظيمة منذ انتصارات الجيش المصري بحرب أكتوبر المجيدة ١٩٧٣
ففي أكتوبر ٢٠٢٣، بعد أسبوعين فقط من بداية العدوان الإسرائيلى على غزة، اجتمع قادة ورؤساء حكومات ومبعوثو عدد من الدول من مختلف أنحاء العالم، بدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى قمة القاهرة للسلام، للتشاور والنظر فى سبل الدفع بجهود احتواء الأزمة المتفاقمة فى قطاع غزة، وخفض التصعيد العسكرى من جانب الجيش الإسرائيلى، الذى راح ضحيته آلاف الشهداء من المدنيين الأبرياء، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء.
مدينة شرم الشيخ للسلام.. مهد الحوار والتقارب من قلب العاصفة
من قلب سيناء، ومن مدينة السلام العالمية شرم الشيخ، انطلقت قمة دولية استثنائية تحمل على عاتقها آمال منطقة بأكملها، وهي "قمة شرم الشيخ للسلام"، برعاية مشتركة وتاريخية بين جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفي أقصى جنوب شبه جزيرة سيناء، تبقى مدينة شرم الشيخ كقائدة من أكثر المدن المصرية رمزية فى تاريخ التحول من الصراع إلى السلام، فما بين عامى الحرب والانتصار، والاتفاقيات والدبلوماسية، عاشت المدينة تحولات عميقة تستضيفها شرم الشيخ متوجة بالجهود الدبلوماسية والسياسية المصرية المكثفة التي تقودها القاهرة وهناك بنود هامة لمقاومة تصعيد الحروب الإنسانية المدمرة بقطاع غزة باستمرار.
وقد أشارت مصادر مصرية مطلعة إلى أن فريقاً مشتركاً يضم مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة فضلا عن ممثلين عن حماس وإسرائيل، سيعمل ضمن غرفة عمليات مشتركة لضمان تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، ما يمنع أي احتكاك أو خلاف قد يفجر الوضع، وفق ما نقلت وسائل إعلام مصرية.
وكانت حماس أكدت بدورها في وقت سابق اليوم بأنها تلقت ضمانات من الوسطاء والولايات المتحدة على تنفيذ إسرائيل للاتفاق.
يذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان أعلن التوصل لاتفاق حول المرحلة الأولى من خطة غزة، وذلك بعد أيام من المفاوضات غير المباشرة التي جرت في شرم الشيخ بين إسرائيل وحماس.
في حين عمت أجواء من الفرح في القطاع الفلسطيني المدمر بعد سنتين من الحرب الإسرائيلية الدامية، كما عبر مئات الإسرائيليين في تل أبيب عن سعادتهم الغامرة بقرب إطلاق الأسرى.
نصت بنود اتفاق شرم الشيخ على تفاصيل إجراءات وآليات لتنفيذ اتفاق تبادل المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، بهدف العودة إلى الهدوء المستدام وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار بين الطرفين.
تختلف قمة السلام بشرم الشيخ خلال الشهر الجاري هذه المرة فى كونها تأتى بعد حرب إسرائيلية طاحنة على قطاع غزة دمرت أغلبه على مدار عامين، وحصار وتجويع للفلسطينيين وإبادة جماعية ومحاولات لتهجيرهم قسراً من أرضهم، والتى تصدت لها مصر بقوة وأعلنت مراراً وبكل وضوح أن التهجير "خط أحمر".
كما أنها تأتى بعد مفاوضات مضنية، بوساطة مصرية فى سبيل وقفها وسط تعنت إسرائيلى وصعوبات كثيرة، لكن القاهرة نجحت فى تحويل مقترح ترامب للسلام فى غزة إلى "اتفاق شرم الشيخ" الذى أوقف الحرب الدموية.
ويقول موقع يورو نيوز إن المحللين يتوقعون أن تضيف القمة، بدعمها الدولى، المزيد من الزخم وتجلب الوضوح النهائى لاتفاق السلام، خاصة مع وجود جوانب صعبة تتعلق بالأمن والحكم فى القطاع وإعادة الإعمار، والتى لا تزال عالقة.
وأشادت الصحف الأوروبية بدور ترامب فى التوصل إلى الاتفاق، وقالت مجلة تايم إنه بعد خمس سنوات على اتفاقات أبراهام، التى أسست لعلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، والتى كانت الإنجاز الدبلوماسى الأبرز لإدارة ترامب الأولى، فإن ترامب عاود الإشادة بنجاحه غير المتوقع فى دبلوماسية الشرق الأوسط، واعترف حتى معارضيه الديمقراطيين بدوره المهم فى وقف إطلاق النار.
من ناحية أخرى، أشاد الدبلوماسيون الغربيون، بدور الوساطة المصرية فى التوصل إلى وقف إطلاق للنار فى غزة، معتبرين أن التوقيع على خطة السلام فى قمة شرم الشيخ خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط.
فقد شهدت المدينة معارك حامية خلال حربَي 1967 و1973، حين كانت السيطرة عليها تعني امتلاك منفذ بحري بالغ الأهمية لمصر وإسرائيل على حد سواء.
لكن عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، بدأت مرحلة جديدة؛ إذ استردت مصر سيناء كاملة، وبدأت الدولة في إعادة إعمار المنطقة وتحويلها من ساحة عسكرية إلى وجهة مدنية سياحية.
ومع منتصف الثمانينيات، تحولت شرم الشيخ تدريجيًا إلى مدينة نابضة بالحياة، تضم منتجعات عالمية وبنية تحتية سياحية متطورة، لكن هذا التطور لم يكن سياحيًا فقط؛ بل سياسيًا أيضًا.
فقد اختارتها الدولة المصرية لتكون مقرًا رئيسيًا لاستضافة المؤتمرات الدولية وقمم السلام، لتصبح مع الوقت رمزًا للسياسة الهادئة والدبلوماسية النشطة.
واستضافت المدينة قممًا بارزة جمعت بين قادة عرب وغربيين، أبرزها قمة شرم الشيخ للسلام عام 1996، ومؤتمر دعم السلام عام 2005، بالإضافة إلى عشرات الاجتماعات الإقليمية رفيعة المستوى.
لم يكن اللقب الذى أُطلق عليها “مدينة السلام” مجرد شعار، بل نتاج طويل من التطور المستدام .
فبينما كانت تتهيأ لاستقبال السياح والغواصين من كل أنحاء العالم، كانت أيضًا تجهّز قاعاتها ومراكزها لاستقبال رؤساء الدول وصنّاع القرار، لتصبح جسرًا بين الشرق والغرب.
وفى السنوات الأخيرة، برز اسم شرم الشيخ مجددًا على الساحة العالمية مع استضافة قمة المناخ COP27 عام 2022، حيث اجتمع قادة العالم لبحث قضايا البيئة والمناخ، ما عزز مكانتها كمدينة تجمع بين التنمية المستدامة والسلام الدولى.
أهم القمم التي عقدت بشرم الشيخ:
1. قمة صانعي السلام – 1996
الحدث: عقدت بدعوة من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
المشاركون: الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، الملك حسين، ياسر عرفات، شمعون بيريز، وعدد من قادة العالم.
الهدف: مواجهة الإرهاب وتأكيد التزام قادة الشرق الأوسط بعملية السلام بعد اغتيال رابين.
النتيجة: تعزيز صورة شرم الشيخ كعاصمة للسلام في الشرق الأوسط.
2. المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق – 2004
الحدث: استضافت شرم الشيخ المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق بعد الغزو الأمريكي.
المشاركون: أكثر من 40 دولة ومنظمة دولية، بينهم الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة.
الهدف: بحث مستقبل العراق السياسي ودعم استقراره الاقتصادي.
الأثر: عزز مكانة شرم الشيخ كمنصة دبلوماسية لحل الأزمات العربية.
3. القمة العربية – 2005
المشاركون: قادة الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية.
الهدف: بحث القضايا الإقليمية وعلى رأسها القضية الفلسطينية والوضع في العراق.
النتيجة: صدور "إعلان شرم الشيخ" لتأكيد التضامن العربي وتفعيل العمل العربي المشترك.
4. قمة شرم الشيخ للسلام (مصر – إسرائيل – فلسطين – الأردن) – فبراير 2005
المشاركون: الرئيس حسني مبارك، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
الهدف: دعم وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
الأثر: كانت نقطة تحول في جهود السلام، وأعيد فيها التواصل بين الجانبين بعد انتفاضة الأقصى.
5. القمة الاقتصادية العربية – 2011
الحدث: الدورة الثانية للقمة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية العربية.
المشاركون: قادة الدول العربية ومسؤولو المنظمات الاقتصادية.
الهدف: تعزيز التكامل الاقتصادي العربي والتنمية المستدامة.
النتيجة: تبنّي مبادرات للتكامل الاقتصادي العربي في مجالات الغذاء والطاقة.
6. منتدى شباب العالم – انطلاقه منذ 2017
المنظم: تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي.
الهدف: منصة حوار عالمية تجمع شباب العالم لمناقشة قضايا التنمية والسلام والمناخ.
النتيجة: أصبح حدثًا سنويًا يرسّخ صورة مصر كدولة داعمة للتفاهم بين الثقافات.
7. مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP27) – نوفمبر 2022
الحدث: أكبر مؤتمر دولي للمناخ في العالم.
المشاركون: قادة ورؤساء حكومات من أكثر من 190 دولة.
الهدف: مواجهة التغير المناخي وتمويل خطط الانتقال الأخضر في الدول النامية.
النتيجة: أطلقت مصر “مبادرة شرم الشيخ للتكيف في إفريقيا” وحققت نجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا.
8. قمة شرم الشيخ للسلام – أكتوبر 2025
الحدث: انعقدت في ظل التصعيد في غزة.
المشاركون: رؤساء ووزراء من دول عربية وغربية، من بينهم مصر، الأردن، الإمارات، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، ألمانيا، والمملكة المتحدة.
الهدف: مناقشة وقف إطلاق النار وإطلاق مسار سياسي جديد للسلام في الشرق الأوسط.
النتيجة: أكدت مصر من خلالها دورها المحوري كوسيط إقليمي للسلام.